عادت ظاهرة احتشاد الكثير من العملاء أمام المصارف التجارية في ليبيا لغرض سحب رواتبهم المتأخر صرفها، وسط تساؤلات عن سقف السحب المتدني.
يأتي ذلك رغم طمأنة إدارة الإصدار بمصرف ليبيا المركزي في العاصمة طرابلس بأنها جاهزة لتوفير السيولة لمختلف فروع المصارف، إلا أن الكثير من العملاء يواصلون الوقوف أمام المصارف في ظاهرة شبه يومية لسحب ودائعهم ورواتبهم خلال الفترة الأخيرة.
تقول الأرملة سعاد الورشفاني من أمام مصرف الجمهورية الرئيسي في طرابلس لـ"العربي الجديد": أقف منذ ساعات الفجر الأولى مع الازدحام الشديد والانتظار حتى يفتح المصرف.
وأوضحت أن "نقص السيولة من هموم المواطنين المعتادة منذ أكثر من عشر سنوات. لو كنت صاحب حظ وفير تحصل على مبلغ صغير من مستحقاتك قبل نهاية دوام المصرف، وإما عليك الانتظار في اليوم التالي"، وقالت: لم أتمكن من سحب مبلغ قدره 500 دينار بسبب الفوضى الموجودة.
من جهة أخرى، وصف الموظف عبد السلام الفقهي الوجوه التي تقف في الطوابير ولا ترغب إلا في سحب مدخراتها، بالشاحبة وسط مشهد يومي متكرر. وقال الفقهي، إن كمية النقود الممنوحة من المصارف لا تكفي إلا أياما قليلة وهي دنانير معدومة، وبالتالي ننتظر كل شهر لسحب الراتب المتأخر وتخزينه في المنزل.
وتقول عجوز سبعينية تنظر أمام مصرف الصحاري بمنطقة حي الأندلس بالقرب من وسط العاصمة إنها تنتظر راتبها من المصرف الذي يقفل أحيانا أبوابه وإذا فتح لن تجد سيولة لديه إلا في حالات قليلة جدا.
وفي منطقة سبها بالجنوب الليبي، يقول عبد القدوس القذافي، إن السيولة تأتي أحيانا كل نهاية شهر وأحيانا أخرى لا تأتي، والسحب لا يتجاوز ألف دينار في أحسن الظروف والمناطق النائية تتأخر عنها كثيرًا.
تشير البيانات الرسمية إلى أن السيولة المتداولة خارج القطاع المصرفي تبلغ نحو 30.39 مليار دينار (الدولار = نحو 4.48 دنانير)، حتى نهاية منتصف العام الحالي، بينما معدلها الطبيعي لا يتجاوز ثلاثة مليارات دينار.
ولا يعترف مصرف ليبيا المركزي في طرابلس بالعملة المطبوعة بروسيا من مصرف ليبيا المركزي (التي تسمى البيضاء) والمقدرة بنحو 23 مليار دينار.
وقال عضو مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي مراجع غيث إن استمرار عدم ثقة المواطن في القطاع المصرفي جعلته يقوم بسحب ودائعه بسبب عدم تطوير القطاع والتجاذبات السياسية الحاصلة بالبلاد، مضيفا أن استمرار أزمة السيولة يعني انهيار منظومة القطاع المصرفي وخاصة مع استمرار انقسام المصرف المركزي.
ومن جانبه، يقول المحلل الاقتصادي أحمد المبروك ، إن أزمة السيولة قديمة، وعمليات السحب زادت خلال الفترة السابقة نتيجة انخفاض قيمة العملة المحلية بنسبة 70% في مطلع عام 2021، مع زيادة أسعار السلع والخدمات الأساسية، والآن بعد زيادة الرواتب ستتضاعف عمليات السحب لكي يوفر المواطنون أموالاً لشراء السلع بالدرجة الأولى.
وأضاف أن أدوات السياسة النقدية معطلة في الوقت الحاضر وعودة الثقة إلى القطاع المصرفي تحتاج إلى استقرار سياسي وأمني بالبلاد ووضع خطط من شأنها تخفيض عرض النقود الذي يعتبر الأهم في وضع أي سياسات اقتصادية.
واتجهت شرائح من المدخرين إلى سحب الأموال من المصارف خلال السنوات العشر الماضية، في ظل تفاقم الوضع الأمني واحتدام الصراع السياسي، وفضل الكثيرون اكتناز الأموال في المنازل، نتيجة عدم وضوح الرؤية بشأن دور الدولة ومقدرتها على إعادة الاستقرار في الأجل القصير.
وبالتوازي مع أزمة السيولة، أقر مجلس النواب الليبي القانون الموحّد للرواتب، على أن يكون الحد الأدنى للأجور بقيمة ألف دينار، أو ما يعادل 202 دولار.
وتعتمد ليبيا بشكل كلي على عائدات النفط، وتسعى إلى تحقيق أعلى إيرادات نفطية للعام الحالي بقيمة 37 مليار دولار بقفزة تصل إلى 61% بالمقارنة مع إيرادات عام 2021 البالغة 22.9 مليار دولار.
0 Comments: