الجمعة، 30 سبتمبر 2022

نخيل ليبيا... صناعة مشروب اللاقبي تدمّر البشر والشجر

أهمية وجود النخل في ليبيا

يقف البائع المتجوّل حميد بوزنان على قارعة الطريق الساحلي في منطقة وادي كعام، التي تبعد 130 كيلومتراً شرقي العاصمة الليبية، عارضاً بضاعته من شراب "اللاقبي" المصنوع من جذوع أشجار النخيل، إذ صارت "كعام، الشهيرة بكثرة مزارع النخيل، محجاً لطالبي هذا الشراب"، كما يقول محسن صويد، مدير إدارة التدريب والتطوير في هيئة الزراعة والثروة الحيوانية والبحرية في وادي كعام، والذي يشعر بالخطر الشديد على مستقبل النخيل الليبي، بعد تصاعد ظاهرة استخراج مشروب اللاقبي، نظراً للعائد الكبير الذي يحصده العاملون في هذه المهنة، إذ تنتج النخلة الواحدة من العصير ما قيمته 400 دينار ليبي (282 دولاراً أميركياً)، وهو ما دفع الشاب بوزنان إلى استهلاك 120 نخلة من بين 200 نخلة ورِثها عن والده، حفر جذوعها، للوصول إلى لبّها ومن ثم استخراج عصارتها، التي يميل لونها إلى الأصفر، ويشبه مذاقها التمر المُحلى بالعسل.

ويجمع حميد قطرات اللاقبي من قلب النخلة عبر أنبوب بلاستيكي صغير، يصب في وعاء تصل سعته إلى 20 لتراً، وتستغرق العملية ما بين 10 إلى 12 ساعة، ويمكن للنخلة إنتاج 50 لتراً من شراب اللاقبي في العام، غير أن استنزاف حميد نخيله دمّر مزرعته، لكنه يعتبر أنه وزملاءه ممن يعملون في صناعة اللاقبي مُجبرون على ذلك، بسبب التردي الأمني الذي تعيشه البلاد، ما صعّب من عملية تسويق التمور، في ظل منافسة شرسة بين الإنتاج الليبي والتمور التونسية والجزائرية عالية الجودة.

تراجع إنتاج التمور

قن، انتشرت صناعة اللاقبي في وادي كعام، بعد أن جاءت من تونس التي تشتهر به، وهو ما أدى إلى تدمير 18 مزرعة نخيل بشكل كلي أو جزئي، وفق ما أحصاه محسن صويد، والذي يرى أن "المال جعل أصحاب المزارع العاملين في هذه المهنة، يدمّرون ثروة البلاد من النخيل"، وهو الرأي الذي يؤيده زين العابدين سالم، أستاذ علوم الزراعة في جامعة طرابلس، موضحا أن استخراج عصير اللاقبي يُفقد النخلة 60 % من عصارتها، وفقا لدراسات وتحاليل مخبرية قام بها، وبالتالي موت النخلة خلال ثلاثة أيام، حتى وإن بدى سعفها أخضر لمدة أطول، لكن في الحقيقة أن النخلة ماتت بسبب فقدانها عصارتها وعدم قدرتها على تعويضها.

وتمتلك ليبيا 9 ملايين نخلة، بحسب آخر إحصاء قامت به وزارة الزراعة في عام 2010. وتشغل زراعة النخيل مساحة 23 ألف هكتار موزّعة بين مناطق الساحل الليبي وأربع مناطق في الجنوب، تنتج 309 أصناف من التمور. ويؤيد صويد هذه الإحصائيات، موضحاً أن الإنتاج الليبي من التمور وصل إلى 150 ألف طن في بداية 2011، غير أنه تراجع بشدة إلى 80 ألف طن في 2014، ولم يتجاوز 38 ألف طن في عام 2015.

ولا يستبعد الحاج ناجي الحلو، أشهر زارعي النخيل في منطقة ودان (وسط الجنوب الليبي) أن يكون إنتاج اللاقبي أحد أهم أسباب تراجع إنتاج النخيل من التمور، قائلاً "ما يرجحه المهندس صويد صحيح، هذه المهنة المقيتة داهمت مزارعنا هنا أيضا، ولكن مشكلتنا أكبر؛ إذ إن النخيل في الجنوب الليبي ينمو بكثافة في الواحات ويصعب مراقبة المعتدين عليه".

ويتحدث الحلو، لـ "العربي الجديد"، قائلا بأسى "حصل تمر ليبي يُعرف باسم حليمة على المركز الثاني في مسابقة عالمية في كندا، ومع أن إنتاج نخلته يجني أموالا طائلة لندرته، عثرنا مؤخرا على العشرات من أشجاره وقد قُتلت بفعل اللاقبي".

وتتوفر في نخيل الجنوب الليبي المواصفات التي يبحث عنها مستخرجو اللاقبي، ومنها الجفاف، وقلة نسب الرطوبة "وهو ما يجعل عصارة النخيل صافية تماما من الشوائب" بحسب الحلو، الذي رصد تواجدا لعصابات تستخرج اللاقبي من أجل استخدامه في صناعة الخمر، بعد خلطه بأنواع من العقاقير والمنبهات، حتى يتحول إلى نوع من المسكرات بأقل التكاليف.

وعرفت ليبيا، في أربعينيات القرن الماضي، صناعة اللاقبي، إذ استخدم الأجداد، كما يقول الحلو، النخيل غير القادر على إنتاج التمور، في إنتاج كميات قليلة من اللاقبي، وتوقف الأمر بعد ذلك، حتى عاد بقوة مؤخرا.

أضرار اللاقبي

يحذّر حافظ النعمي، الخبير في إدارة مراقبة جودة الأغذية والأدوية في جامعة طرابلس، من خطورة تعاطي اللاقبي بعد تخمّره بشكل شديد، موضحاً أن "أضرار خمر اللاقبي المصنّع بشكل بدائي أكثر من أضرار غيره من المسكرات، والتي تخضع لشروط إنتاج قياسية تخفف من نسبة الكحول بعكس اللاقبي، بالإضافة إلى أن ظروف إنتاجها تختلف تماما عما يحدث من إنتاج بدائي للاقبي، والأدهى أنه يتم إضافة أقراص مخدرة مثل الترامدول وغيره إلى العصير المتخمر، ما يهدد حياة متعاطيه".

ويعد سكر الفاكهة، المعروف بالفركتوز، المكون الأساسي لعصارة اللاقبي، والتي تتخمر بشكل سريع في حال تعرّض المزيج للحرارة، بفعل نشاط بكتيريا Bacillaceae، المتوفرة بكثافة في أجواء ليبيا، كما يقول النعمي، لافتا إلى أن سبب ارتفاع نسبة الكحول في خمر اللاقبي، يرجع إلى تصنيعه في درجات حرارة عالية، الأمر الذي يهدد صحة الإنسان متعاطيه بشكل أسرع، مما يتعرض له متعاطو غيره من الخمور، وهو ما يتطلب تدخلاً حاسماً من قبل الجهات الأمنية والمجتمعية، حفاظاً على ثروة ليبيا من البشر والنخيل.

SHARE

Author: verified_user

0 Comments: