الأربعاء، 1 مارس 2023

مدينة شحات الليبية كنز من عصور ما قبل الميلاد يواجه التخريب والإهمال

ليبيا

كنز أثري مهمل أخذ شكل مدينة كاملة في شرق ليبيا، مدينة تعبر عن محطات تاريخية مهمة مرت بها الدولة قبل آلاف السنين، تحمل في داخلها منحوتات وأحجارا ونقوشا تعبر عن حكايا وقصص عصور ما قبل الميلاد، وتجسد حياتهم بطريقة تعيدك إلى ذلك الزمن .

شحات، أو قورينا، أو قوريني، هي مدينة تاريخية أسسها الإغريق في منطقة الجبل الأخضر في أقصى الشمال الشرقي من ليبيا، وهي ثاني أكبر مدن محافظة الجبل الأخضر بعد مدينة البيضاء، وبفضل اسمها التاريخي منحت منطقة شرق ليبيا اسم قورينائية، أو سيرينايكا، وفي الوقت الحاضر تتبع مدينة شحات لمحافظة الجبل الأخضر.
تسمى المدينة قورينا، أو سيرين، وتعتبر شحات من أجمل المدن في ليبيا تاريخاً وحضارة، بالإضافة لكونها إحدى أجمل عشر مدن في العالم العربي بأخذها المرتبة الثالثة، وذكرت أسطورة إغريقية أن اسم الحورية جاء عندما رأى أبولو حورية تقتل الأسد بيديها.
ويرجع مؤرخون كثر سبب إطلاق تسمية «شحات» عليها، إلى شح المياه في هذه المدينة التاريخية بعد أن نضبت عيون مياهها العذبة التي كانت تروي سكانها في العصور الغابرة. فهي باختصار، وحسب هذا الطرح، مدينة العيون الشاحات، بالرغم من أن هذه الفرضية في التسمية لا تبدو منطقية ولا تجد سندا يدعمها أو دليلا علميا يؤكدها.
وقد ذكرت شحات «قورينة» في النسخة العربية من الانجيل باسم القيروان: مرقس 15-21 «فسخّروا رجلا مجتازاً كان آتيا من الحقل وهو سمعان القيرواني أبو ألكسندرس وروفس ليحمل صليبه». كما ذكرت في التوراة في سفر المكابيين.

تأسيس المدينة

المدينة التاريخية أسست في حدود سنة 631 ق. م عن طريق بعض المغامرين الإغريق، وكان باتوس أول حاكم للمدينة ولمدة 40 سنة. وشهدت أوج ازدهارها من نشاط زراعي وتجاري في القرن الرابع قبل الميلاد.
وقد تبعت إداريا كل الامبراطوريات التي تعاقبت على حكم شمال ليبيا من الجمهوريين سنة 414 ق م إلى الإسكندر الأكبر والحكام الإغريق سنة 332 إلى الرومان 96 ق م إلى البيزنطيين 324 م إلى الفتح الاسلامي 635 م.
وقد مرت هذه المدينة بمراحل تاريخية كثيرة منها العصر الملكي ما بين 631 – 440 ق.م، والعصر الجمهوري ما بين 440- 323 ق.م، والعصر الهللينيستي – البطلمي ما بين 323 – 96 ق.م، والعصر الروماني – البيزنطي ما بين 96 ق.م.-642 م.
وخلال هذه الفترة الطويلة ازدهرت في ميادين عدة وأصبحت أهم مدينة في الشمال الأفريقي خلال العصر الإغريقي، فقد كانت ذات مكانة اقتصادية بارزة بإنتاجها لنبات السلفيوم الذي كان من السلع النادرة التي تصدر إلى أغلب أجزاء العالم القديم، وقد انعكس الازدهار الاقتصادي على جوانب حضارية أخرى فظهر منها العلماء والفلاسفة والشعراء وكانت لها علاقات مع أغلب المدن الإغريقية التي كثيرا ما أمدتها بالحبوب أثناء الأزمات الاقتصادية.
كما ازدهرت التجارة في شحات باعتبار موقعها الهام على الطريق بين بلاد النيل وقرطاج، حيث توجد حضارتان كبيرتان مؤثرتان في التاريخ الإنساني. وبالإضافة إلى ذلك فهي مدينة ساحلية تأتيها سفن الإغريق وغيرهم لاقتناء ثرواتها الزراعية والسمكية المتوسطية باعتبار أن عموم سكان السواحل الشمالية لهذا البحر، نشطوا في الصيد منذ القديم وابتدعوا طرقا متعددة للحصول على أجود ّأنواع الأسماك.

كنوز أثرية

في المدينة الكثير من الكنوز الأثرية من العصور الرومانية والبيزنطية، وخلاصة القول إن التعرية البحرية هي العامل الرئيسي الذي لعب الدور الأول في نشأة الحافات المدرجة والمدرجات الشمالية للجبل الأخضر. ومع ذلك فقد تعرضت المنطقة كلها لحركة رفع بسيطة ساعدت على إظهارها. وتحتوي المدينة على مطار الأبرق كما تضم العديد من الأماكن الأثرية التي تشتهر بها ومنها الحمامات اليونانية ومعبد أبولو ومعبد زيوس الذي تم بناؤه أثناء القرن الخامس قبل الميلاد، كما تحتوي على الأغورا وقلعة الاكروبولس ومجلس الشورى أثناء الحكم اليوناني.
وتم بناء العديد من المنشآت الحديثة والمسرح ورواق هرقل بالإضافة إلى المعابد وبناء سور خارجي أثناء القرن الأول والثاني الميلادي، وفي العصر البيزنطي تم بناء عدد من الكنائس، زارتها أهم الشخصيات ومن بينهم الفيلسوف أفلاطون.
ورغم قلة السياح في المدينة إلا أن القادم إليها والمتجول في شوارعها يمكن ان يرى أولا منطقة تسمى الحرم الديني التي تشمل البوابة الإغريقية، ومبنى مجلس القادة (السترتيجون) وبوابة الحرم الرومانية النافورة (العين) الهللنيستية، ومعبد هاديس، ومعبد لمؤله مجهول، ومعبد جايوس ماجنوس، ومعبد ابوللو، ومذبح معبد ابوللو، وعمود براثوميديس ونافورة الحورية قوريني، ومعبد ارتميس ومذبحه، ومعبد هيكاتي، والمسرح الإغريقي المحول إلى امفتياتير، وجدار نيكوداموس، وحمامات تراجان.
وبعد الحرم الديني في الأهمية والبروز نجد الفورم أو الميدان العام وأهم معالمه هو المسرح الهللينيستي أو الاوديون.
وفي منطقة التل الشرقي يقع معبد زيوس، وساحة سباق الخيول إضافة إلى جبانة قوريني التي تتكون من مجموعة كبيرة من المقابر المتنوعة متوزعة بين الجبانة الشمالية والجبانة الشرقية والجبانة الغربية والجبانة الجنوبية، ولعل أهمها الجبانة الشمالية التي يمكن الوصول إليها بسهولة لأن جزءا منها يطل على الطريق الرابط بين شحات وسوسة، كما أن الجبانة الجنوبية يمكن الوصول إليها بسهولة وزيارتها بعد افتتاح الجمنازيوم والفورم الروماني والمعبد الذي يتوسطه البازيلكا، ومنزل هيزيكيوس، وشارع باتوس، ورواق هرمس، ورجايوس ماجنوس، والبريتانيون، ومعبد الكابيتوليوم، ومكتب السجلات العامة، والاكروبولس، الأغورا وأهم معالمها حرم ديميتر ومعبد ابوللو نموفلاكوس وقبر باتوس والنصب التذكاري البحري والأروقة والمذابح والطريق المعبد الرابط بين شحات والبيضاء.
وفي العهد الروماني أدخلت بعض التحويرات على المباني اليونانية وشيد الكثير من المباني الجديدة ومنها الحمامات الرومانية والمسرح ورواق هرقل والكثير من المعابد والنصب، والسور الخارجي الذي بني في القرنين الأول والثاني للميلاد، كما يوجد العديد من الكنائس التي تعود للعهد البيزنطي.
وتنبغي الإشارة إلى تواجد حوالي مئتي قطعة أثرية نادرة تعرض في متحف شحات الموجود في المدينة، حيث أن الزائر إلى المكان سيجد معروضات تختلف في عصور إنشائها وتتفرد بجمالها وقيمتها الفنية والتاريخية.
وعند دخولك للمتحف التاريخي تجد من الوهلة الأولى في الجزء الأيسر من المتحف تمثال الحسان الثلاث يبرز جمال آلهات الحسن والبهاء في الحضارة الإغريقية، وتتفرع القطع الفنية بمختلف حقباتها في أماكن مختلفة من القاعة، لكن الزائر للمكان قد لا يجد معلقة تفسيرية تشرح له تاريخ القطع الأثرية المعروضة.
إلا أن تصريحات نقلت على لسان الهيئة العامة للسياحة والثقافة أوضحت وجود عدد هائل من القطع الأثرية النادرة التي لم تعرض بعد، وتمحورت هذه التصريحات حول أن كمية الآثار المكتشفة وغير المعروضة يبلغ عددها 7800 قطعة.
وتعود ملكية أجزاء كبيرة من الأراضي المحيطة بالمدينة الأثرية لمواطنين يرفضون قرارات حكومية بوقف استخدامها لأغراض سكنية وتجارية، بحجة أن معظمها تتواجد تحتها آثار محمية.
وتقول تقارير سابقة لخبراء الآثار، إن ليبيا تتوفر فيها مئات المواقع الأثرية، لكن أغلبها لم يكشف عنها بسبب غيابها تحت مياه البحر المتوسط شمالاً، أو تحت رمال الصحراء الشاسعة في الجنوب. حيث أشار تقرير لفريق تنقيب تابع لجامعة لستر البريطانية إلى أن 70 في المئة من الآثار الليبية لا تزال مطمورة، ومن أبرز تلك المواقع مدن ترعاها منظمة يونيسكو.

SHARE

Author: verified_user

0 Comments: