إدريس السنوسي، سليل الأسرة السنوسية، ولد عام 1890، ثم اعتلى عرش المملكة الليبية المتحدة عام 1951، وحكم 18 عاما، كان حكمه مليئا بالتجاذبات السياسية والتحديات المصيرية للدولة الفتية الناشئة، وشعبها المتعطش للتنمية والازدهار، والتحرر من بقايا الاحتلال الأجنبي، قبل أن ينقلب عليه معمر القذافي سنة 1969، وتوفي في منفاه عام 1983.
ورث عن أبيه وأجداده مكانة مرموقة في الدعوة الصوفية السنوسية، حتى بويع أميرا لها وزعيما روحيا لأتباعها على امتداد شمال أفريقيا. عُرِف عنه الصلاح والتواضع، والزهد في المناصب، على الرغم من اجتماع السلطة في يده.
ومثلما كان له أنصار ومريدون كثر، فقد كان له خصوم ومعارضون، واختلف فيه الناس كثيرا، فرفعه قوم إلى مرتبة "الولاية"، ووضعه آخرون في أدنى مهاوي "الخيانة والتبعية للأجنبي".
المولد والنشأة
محمد إدريس بن المهدي بن محمد بن علي السنوسي الخطابي الإدريسي، ولد بزاوية "الجغبوب" شرقي ليبيا يوم 12 مارس/آذار 1890، والده المهدي السنوسي أمير الدعوة السنوسية في ليبيا وشمال أفريقيا، ووالدته السيدة فاطمة بنت عمران بن بركة.
هاجر أبوه من منطقة مستغانم في الجزائر، واستقر به المقام في زاوية الجغبوب شرقي ليبيا، ويتصل نسبه بالشجرة المباركة من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب وابن فاطمة الزهراء، رضي الله عنهم جميعا.
الدراسة والتكوين العلمي
نشأ إدريس في كنف أبيه الذي كان قائما على أمر الدعوة السنوسية في ليبيا، حتى وصلت على يديه إلى ذروة قوتها في شمال ووسط أفريقيا. التحق بالكتّاب وأتم حفظ القرآن الكريم، ثم واصل تعليمه على يد ثلة من العلماء، منهم العربي الفاسي وأحمد أبي سيف والعربي الغماري وحسين السنوسي وأحمد الريفي وأحمد الشريف السنوسي.
بعد وفاة والده، كفله ابن عمه أحمد الشريف، ووقتها تفرغ الفتى لطلب العلم، وأتقن القراءات وعلوم الحديث، وحفظ صحيحي البخاري ومسلم ومسند أبي داود وسنن ابن ماجة والنسائي والترمذي.
وفي شبابه أصبح من أعضاء مجلس شورى الحركة السنوسية، ونظم لنفسه حياة خاصة وخطة مرسومة، فشيد منزله بزاوية التاج في الكفرة، وعكف على الدراسة، واهتم بتكوين مكتبة خاصة، أصبحت في طليعة المكتبات العربية، وكان مجلسه عامرا بالعلماء والأدباء، حيث كان يحب العلماء ويدنيهم، وكانت أحب العلوم إليه الحديث الشريف والأدب.
التجربة السياسية والعملية
رحل إدريس إلى برقة عام 1902، حيث كان يحظى بمكانة مرموقة لدى مريدي الطريقة السنوسية. وفي عام 1914 قام بأول زيارة خارج ليبيا، حين عزم على الذهاب لأداء فريضة الحج، فمرّ بمصر، ونزل ضيفا على الخديوي عباس الثاني في قصر رأس التين بالإسكندرية، وفي الحجاز التقى بالحسين بن علي شريف مكة.
الاستقلال
بعد تأسيس أول جمعية وطنية تمثل جميع الولايات الليبية (برقة وطرابلس وفزان) يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1950، أعلن الملك إدريس من شرفة قصر المنار في مدينة بنغازي يوم 24 ديسمبر/كانون الأول 1951 الاستقلال وميلاد الدولة الليبيّة المستقلة، واتخذ لنفسه لقب ملك المملكة الليبية المتحدة، التي انضمت إلى جامعة الدول العربية عام 1953، وإلى هيئة الأمم المتحدة عام 1955.
كان لتحالف الملك إدريس مع البريطانيين وموافقته على وجود عسكري بريطاني على الأراضي الليبية، أثر كبير في مكانته الشعبية، سواء على الصعيد المحلي أو العربي، وبدا ذلك جليا أثناء العدوان الثلاثي على مصر 1956، فاتجهت أنظار العرب الساخطين إلى ليبيا وملكها، بحجة أن الطيران البريطاني كان ينطلق من قواعد في ليبيا.
0 Comments: