عام جديد يطل علينا قريباً من دون أن نعرف ماذا يحمل لليبيا وشعبها من مفاجآت ومن احتمالات.الضرورة تحتم الاعتراف أولاً بأن الطريق إلى السلام والاستقرار في ليبيا ليس سهلاً، بل شديد التعقيد، والسبب لأن مفاتيح الأزمة موزعة في عواصم عدة، أوروبية وإقليمية وعربية، وهو ما جعل ليبيا تراوح في ذات المكان، كل هذه الأعوام. وثانياً، أن الحلول المقترحة للأزمة، رغم تعددها، فشلت جميعها، لأنها، في رأيي، تقفز متعمدة على حقائق الواقع، وأهمها وجود جماعات مسلحة بأسنان وأظافر ومصالح، تمكنت من نشر نفوذها وبسط هيمنتها، وتحقيق مصالح مادية هائلة ليس من السهل التنازل عنها طوعاً من دون مقابل. وأن قادة تلك الجماعات استبعدوا من الحلول المقترحة طوال السنوات الماضية، وأغلقت أمامهم أبواب جلسات التفاوض، وكأنهم لا وجود لهم. وأن نفس الوجوه السياسية المعروفة، المُصرّة على عرقلة أي حلول ممكنة للأزمة، ما زالت تتخندق في مواقعها المعهودة، متصدرة المشهد برمّته، وتمسك بين أياديها على كافة خيوطه. وثالثاً، أن الأمل بعقد انتخابات نيابية ورئاسية، قد تنقذ ليبيا وشعبها من النفق الذي أدخلت إليه عنوة منذ أعوام، صار حلماً بعيد التحقق، نظراً لتكاثر المتآمرين ضدها ممن تقتضي مصالحهم استمرار وضعية لا سلم ولا حرب. وبالتالي، فإن نهاية عام، وبداية آخر جديد، قد لا تعني سوى امتداد حبل الأزمة مسافة أطول لعام آخر، يضاف إلى قائمة ما سبقه من أعوام مريرة ومؤلمة.
ربما يرى البعض أن هذه قراءة تراهن، على نحو مبالغ فيه، على النصف الفارغ من الكأس. وأن الظرف الدولي المتوتر، الذي خلقته الحرب الأوكرانية - الروسية، وما سببته من عجز في أسواق الطاقة عالمياً، قد يساعد، بشكل مباشر أو غير مباشر، على تكاثف الجهود دولياً، بهدف الوصول إلى قناعة بضرورة إيجاد حل سلمي في ليبيا وفرضه على الفرقاء، يساعد على عودة السلام والاستقرار وضمان مواصلة تصدير النفط والغاز من دون توقف، وزيادة الإنتاج. وهذا رأي يؤخذ في الاعتبار. إلا أنه لا يخرج عن دائرة الاحتمالات. ويراهن، على نحو مبالغ فيه كذلك، على إمكانية بيع سمك في البحر. ولا يأخذ في اعتباره تعقد المصالح المتنافسة الأجنبية وصراعها على الوجود في ليبيا وبسط نفوذها، بما يضمن حفاظها على ما حققته من مصالح سياسية ومنافع اقتصادية طيلة السنوات المنقضية. ولا يتعامل مع مفردات الواقع الليبي، بحمولة إرثها التاريخي بتناقضاته وعداوته المستفحلة. ولا يطرح حلولاً عملية لمشكلة وجود جماعات مسلحة محلية، وقوات مرتزقة في مختلف مناطق البلاد، شرقاً وغرباً وجنوباً، تتنافس على بسط سيطرتها، وتعزيز مصالحها وحمايتها، وتزداد تجذراً في الواقع.